أ.د. عماد الدين المصبح
أكاديمي سوري
المستشار الاقتصادي السابق لاتحاد العمال
يشكّل الانتقال نحو نموذج اقتصادي جديد في سورية أكثر من مجرد تحويل في السياسات؛ إنه قطيعة جوهرية مع علاقات الإنتاج التقليدية التي ساد خلالها التحكم المركزي والسيطرة الحزبية-الأمنية على قطاعات الاقتصاد. هذا التحول يقتضي بالضرورة إعادة بناء الهياكل النقابية من الأساس، لتصبح تمثيلاً حقيقياً لمصالح العمال والعاملين، بدلاً من أن تظل أداة من أدوات السيطرة البيروقراطية.
البنية
القديمة: وراثة ثقيلة من التسلطية
اتحاد
العمال السوري بصيغته الحالية ليس محايداً؛ إنه وريث مباشر لنموذج تنظيمي صاغه عز الدين
ناصر في أوائل الثمانينات، جعل منه امتداداً للبيروقراطية الدولتية وإحدى ركائز حزب
البعث. مع مرور الوقت، تحوّل هذا الاتحاد ليصير تابعاً صريحاً للأجهزة الأمنية، حيث
فقد أي استقلالية وظيفية في التفاعل مع قضايا العمال والعاملين. هذا التطور جعل الحركة
النقابية شريكاً حقيقياً في قمع الحقوق النقابية وتكبيل النقاش الاقتصادي-الاجتماعي.
التشويه
الهيكلي: استنساخ مشوه من النماذج الأجنبية
البنية
التنظيمية الراهنة تعكس استنساخاً مشوهاً لنماذج الدول الاشتراكية السابقة، لا سيما
ألمانيا الشرقية إبان عهد إريك هونيكر. فقد أنشأت السلطات السورية هرماً نقابياً معقداً
يضم اتحادات مهنية وفروعاً جغرافية (على مستوى المحافظات) متشابكة الصلاحيات، كل ذلك
تحت سلطة "اتحاد عام" يحتكر السلطة في القمة.
هذا
الهرم لا يخدم غرضاً حقيقياً سوى تركيز السلطة والتحكم. فالاتحاد العام يعمل كحلقة
وصل بيروقراطية مباشرة بين أجهزة الدولة والأمن من جهة، والقواعد النقابية من جهة أخرى—دون
أن يكون هناك حماية فعلية لمصالح العمال. هذه البنية المترهلة تعطل الحوار الثلاثي
الحقيقي (الدولة-الرأسمال-العمل) وتحوّله إلى مسرحية شكلية.
الحل
الضروري: نقابات مستقلة وفاعلة
السبيل
الوحيد للخروج من هذا المأزق هو حل الاتحاد العام والسماح بقيام حركة نقابية تقوم على
اتحادات مهنية مستقلة، كل منها يتمتع باستقلالية وظيفية وحرية مالية حقيقية. هذا النموذج،
الذي يعتمده معظم دول العالم التي اختارت اقتصادات السوق الحرة (الموجهة منها وغير
الموجهة)، يحقق عدة أهداف:
أولاً،
يضمن تمثيلاً حقيقياً لمصالح العمال في قطاعهم الخاص دون وساطة إدارية مركزية. ثانياً،
يسمح بتطور حوار اقتصادي-اجتماعي صحي قائم على المصالح الفعلية وليس على الولاءات الحزبية.
ثالثاً، يخلق التوازن المطلوب في مثلث الحوار الثلاثي الذي تحتاجه أي اقتصادية سوق
حديثة.
إن
إعادة هيكلة الحركة النقابية السورية ليست رفاهية سياسية؛ إنها ضرورة اقتصادية واجتماعية.
دولة تسعى نحو الانفتاح الاقتصادي والاندماج الدولي لا يمكنها أن تستمر في الاعتماد
على أجهزة نقابية مركزية تابعة للأمن. الاستثمار الحقيقي في حركة نقابية مستقلة وديمقراطية
هو استثمار في الاستقرار الاقتصادي-الاجتماعي طويل الأمد، وفي ثقة الشركاء الاقتصاديين
الدوليين بجدية الإصلاح السوري.