بحث في هذه المدونة

‏إظهار الرسائل ذات التسميات ملخصات كتب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ملخصات كتب. إظهار كافة الرسائل

قصة الاقتصاد الكلي


 أشارك هنا تجميعا لعدة مقالات كتبها الاستاذ الدكتور سعد داود قرياقوس ونشرها في صحيفة المال في سلسلة مكونة من أربع مقالات. تناول فيها الخلافات بين كبار المنظرين للاقتصاد الكلي خلال القرن العشرين عبر دراسة مدرسية-زمنية.

الله والطبيعة والسبب للعالم محمد باسل الطائي

God, Nature, And The Cause by Dr. Basil Ataie - ISSI Malaysia«الله والطبيعة والسبب» ... من أوائل كتب «أمازون» وأميزها
د. محمد العوضي
«الله والطبيعة والسبب» كتاب ألفه البروفيسور محمد باسل الطائي، أستاذ الفيزياء الكونية بجامعة اليرموك، باللغة الإنجليزية، ونشرته مؤسسة كلام ريسيرج أند ميديا (KRM) بدعم من مؤسسة جون تمبلتون الأميركية.
يحتوي الكتاب على سبعة فصول تعالج مسائل مهمة في حوارات العلم والدين، وقد انتهج فيها الباحث نهجاً علمياً مشبعاً بكثير من المفاهيم الفيزيائية المعمقة التي حاول تبسيطها بما يجعلها مفهومة من قبل المثقف العام.
كما أبدع المؤلف في المزج بين منهجية العلم الحديث والمفاهيم الطبيعية عند المتكلمين المسلمين الأوائل من أمثال أبو الهذيل العلاف وإبراهيم النظّام والجبائيان ثم الأشعري والباقلاني والجويني والقاضي عبدالجبار وغيرهم، محاولاً تصويب النظر إلى مساهمات أولئك المفكرين المبدعين في فهم الطبيعة وإنشاء تصورات عن آليات عملية للعلاقة بين الطبيعة وخالقها، الله سبحانه وتعالى.
ولذلك خصص المؤلف الفصل الأول من الكتاب لعرض موجز لتلك المفاهيم والإسهامات الأصيلة موضحاً مخالفتها للرؤية الفلسفية التي اعتمدها أغلب فلاسفة اليونان وبرأسهم أرسطوطاليس، مبيناً موافقتها للرؤية العلمية المعاصرة.
ومن خلال ذلك يرى الباحث أن فلسفة علوم الطبيعة المعاصرة ومنهجيتها في النظر بحاجة إلى اعتماد البنية الفلسفية للرؤية الكلامية، ويرى أن هذه الخطوة ستحقق قفزة نوعية في تيسير حوارات العلم والدين عموماً وفتح كثير من أبواب التفهم لطرفي المعادلة الكونية.
في الفصل الثاني من الكتاب يعالج الباحث الفرق بين القوانين الطبيعية Laws of Nature وقوانين الفيزياء Laws of Physics منبهاً إلى وجود خلط بين المفهومين يقع فيه كثير من الباحثين الغربيين المشهورين بسبب تداخل معاني كلمتي طبيعة وفيزياء اللتين تأتيان مترادفتين في اللغة اللاتينية ومشتقاتها. وهذا ما أدى، فيما يرى الباحث، إلى اعتقادات غير صحيحة في افتراض الفاعلية الذاتية لقوانين الفيزياء في تشغيل العالم مستقلاً عن وجود خالق. ومن هذا المدخل، ونظراً لأن قوانين الطبيعة هي ظواهر الطبيعة بما هي دون أي تفسير، ولأن واقع الحال يؤكد أن قوانين الفيزياء هي محض تصوراتنا نحن البشر لكيفيات عمل قوانين الطبيعة، ولمعرفتنا من خلال ميكانيك الكم أن عمل قوانين الطبيعة هو مجازي احتمالي وليس حتمياً، فقد توصل الباحث إلى نتيجة مفادها أن العالم (الكون) بحاجة إلى مشغّل يشغله وفقاً لسنن ونواميس نسميها قوانين طبيعية استنها الخالق المهيمن ليكون نظام العالم مفهوماً بالعقل لنا فيكون ذلك دليلاً إلى معرفة الخالق والإقرار بوجوده. كما يؤكد الباحث أن واحدية قوانين الطبيعة دالة على أحدية الخالق.
في الفصل الثالث من الكتاب يعالج الباحث مسألة (السببية Causality) من منظور إسلامي، فيبين أن المتكلمين المسلمين أقروا بوجود العلاقات السببية لكنهم نفوا الحتم السببي Causal Determinism، وهذا هو خلافهم مع الفلاسفة. وسبب ذلك أنهم وجدوا أن القول بالحتم السببي لا دليل عليه فضلاً عن أنه يتنافى مع قيومية الله على العالم. ويعرض الباحث في حيثيات مناقشة هذه المسألة لكثير من أقوال المتكلمين المتقدمين شارحاً بشيء من التفصيل آراء أبو حامد الغزالي كما جاءت في كتاب (تهافت الفلاسفة). كما يعرض بإيجاز لنقد ابن رشد لنظرية الكسب عند الأشاعرة.
وفي الفصل الرابع من الكتاب يعرض لمسألة كبرى في تاريخ الفكر الفلسفي وهي (فعل الله في العالم Divine Action) من منظور إسلامي أيضاً. وفي صلب رؤيته العملية لفعل الله في العلم وقيوميته عليه يأتي الباحث بفكرة تجدد الخلق الكلامية ليجعلها مرتكزاً لآلية فعل الله في العالم ليجد أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بلاحتمية فعل قوانين الطبيعة وكونها محتاجة إلى مُشغّل مستقل، قدير وعليم يقوم عليها.
وفي الفصل الخامس من الكتاب يعرض الباحث لآراء بعض المتكلمين الأوائل في الزمان والمكان والحركة، وبعد أن يستعرض آراء وأقوال القديس أوغسطين، يلفت الانتباه إلى أطروحات ابن حزم الأندلسي وأطروحات أبو حامد الغزالي في هذه المسائل المهمة، والتي يجدها تعكس فهماً متقدماً لتداخل الزمان والمكان وارتباط أحدهما بالآخر معاً مما يجد مقاربة في تصورات نظرية النسبية لألبرت أينشتاين مع الاختلاف الجوهري في المنطلقات.
أما الفصل السادس من الكتاب فقد خصصه الباحث لعرض مواقف تراثية من قضيتين أساسيتين جعلهما مثالين للحوار الإسلامي بين الفلاسفة والمتكلمين، إحداهما قضية حجم العالم (الكون) وإمكانية أن يكون أكبر مما هو عليه أو أصغر، وهذه المسألة تتصل بإمكانية توسع الكون وانكماشه، والثانية مسألة مصير الشمس وما إن كان الذبول يعتريها على نحو ما.
هاتان المسألتان أثارهما أبو حامد الغزالي في محضر نقاشه لآراء الفلاسفة ومناقشته لمسائلهم في كتاب (تهافت الفلاسفة) ثم ردود ابن رشد وحججه فيهما حيث نفى إمكانية توسع الكون أو انكماشه كما نفى أن تخضع الشمس إلى تبدل وتغير لكونها جسماً أثيرياً متابعاً في هذا ما قرره أرسطو.
حقاً هذان مثالان جميلان لمسائل كبرى في الفلسفة وطبيعيات الكلام نجدهما دليلاً على تقدم الفكر الإسلامي على نحو مميز قبل ألف عام من الآن.
وفي خاتمة هذه الفصول، الفصل السابع، يقدم البروفيسور محمد باسل الطائي رؤيته بصدد إمكانية إنشاء علم كلام جديد يقوم على أساسيات دقيق الكلام القديم الصحيحة في إطار المعارف العلمية الجديدة وباستخدام الدلائل والإثباتات التي يقدمها العلم ليصبح هذا أساساً ومنهجية لتأسيس علم كلام جديد يعالج المسائل العقائدية والشرعية فضلاً عن المسائل الطبيعية. فإذا علمنا أن علم الكلام القديم كان قد أسس لأصول الفقه وساعد في حجيتها، ونعلم أنه كان حجة في مسائل عقيدة التوحيد، العقيدة الإسلامية، فإنه لحري بنا العمل من أجل تجديد علم الكلام كله دقيقه وجليله بعد أن قدم الباحث نموذجه في دقيق الكلام وما يتعلق به من المسائل الطبيعية. فالباحث الطائي يرى أن أغلب حجج الجليل القديمة التي استخدمها المعتزلة والأشاعرة ومن جاء بعدهم من متأخري المتكلمين مثل الفخر الرازي ومدرسته التي استنفدت أغراضها، ولم تعد بشيء، فالواجب هو تجديد علم الكلام تأسيساً على الرؤية الجديدة التي يقدمها دقيق الكلام الجديد لتكون هذه قاعدة وأرضية فلسفية لنهوض جديد للفكر الإسلامي يمكّننا من تجديد هذا الفكر على نحو علمي وتقدمي لا يقطع الصلة بالأصول والجذور بل يتغذى منها ويؤلف منها ومما استجد من معارف نسيجاً جديداً من الأفكار والمناهج والقواعد والحجج التي تنهض بالأمة نهضة جديدة وتخلصها من سجن الماضي وسلطة الأفهام والحجج البالية القديمة.
مما ينبغي ذكره أن الكتاب انضم إلى قائمة الكتب العشرة الأولى في مبيعات أمازون دوت كوم الأسبوع الماضي وهو جاهز للطلب من الموقع المذكور على الرابط https:/‏/‏www.amazon.com كتاب رائع نرجو أن نجد ترجمته العربية في طبعة جماهيرية تجعله منهلاً لفكر جديد وكلام جديد. وجدير بالذكر أن للبروفيسور الطائي كتاباً بالعربية عنوانه (دقيق الكلام: الرؤية الإسلامية لفلسفة الطبيعة) ستصدر طبعته الثانية المزيدة قريباً إن شاء الله.

فلسفة العلم من العقلانية إلى اللاعقلانية

تاريخ النشر: الخميس 20 سبتمبر 2012

عماد جانبيه

كتاب جديد بعنوان :فلسفة العلم من العقلانية إلى اللاعقلانية” للمؤلف د. كريم موسى، استاذ الفلسفة في كلية الآداب ـ جامعة بغداد، وعضو الرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة، يتناول فيه فلسفة العلم التي هي أحد فروع الفلسفة حينما يكون البحث الفلسفي ومادته الأساسية العلم، ولكن عمومية هذه النظرة يختفي وراءها الكثير من التفاصيل التي تفرض الوقوف عندها، بدءاً من عمومية مفهوم العلم وبعده التاريخي الملاصق لمفهوم الفلسفة، وانتهاءً بتنوع المباحث التي تنطوي عليها العلم وتعدد الزوايا والرؤيات الفلسفية التي ينظر من خلالها إلى العلم على أنه نشاط معرفي وعملي واجتماعي وإنساني له تاريخ يقارب تاريخ الإنسان.
يقول د. موسى: من العبث أن نضع تعريفاً جامعاً ومحدداً، إلا أننا نستطيع أن نوظف بعده الممتد تاريخ الفكر الفلسفي بالقيام بهذه المهمة ليعطينا حدوداً لخريطته الفكرية وليس تعريفاً محدداً عن العلم، إذ كان العلم يشكّل الجزء الذي تميز باسم الفلسفة الطبيعية في عموم تاريخ الفكر الفلسفي، من هنا ينظر إلى العلم على أنه مجموعة الفلسفات الطبيعية التي استقلت عن الفروع الفلسفية واتخذت اسم science والعلم قبل استقلاله كان يعبّر عن جزء من الفكر الفلسفي.
ويذكر المؤلف أنه لم يجد في هذا الوقت فلسفة علم بمعناها التخصصي الشامل لمفهوم العلم، واقتصر النشاط الفلسفي المهتم بالعلم في ذلك الوقت، على بعض المحاولات الفلسفية لمناقشة مناهج العلم، والبحث عن المنهج المفضل، وبرزت سيادة جلية للنزعة الاستقرائية في ذلك الوقت، وقصر اهتمام أوغست كونت بتصنيف العلوم وترتيبها على شكل درجات حسب ما تملك من التعميم والتجريد والتعقيد.


ويرجع السبب بحسب د. موسى إلى تأخر انبثاق فلسفة العلم على طرازها المعاصر إلى النزعة الوضعية ذاتها أمام سطوة العلم، فالتقييم الفكري الصائب على وفق هذه النظرة سيكون لصالح العلم وليس لصالح الفلسفة، إذ يذكر مؤسس المذهب الوضعي أوغست كونت أن الفلسفة كالميتافيزيقا بإمكانها أن تؤثر إيجاباً في العلم بمرحلة الطفولة فقط، ولذلك أوكلت مهمة قيام فلسفة للعلوم أو فلسفة علمية ليس للفلاسفة بل للعلماء الذين سيتعرفون بشكل جيد إلى ناهية العلوم وتسلسلها والعلاقات القائمة فيما بينها، ومن ثم العمل على إيجاد نظرة موحدة تركيبية للعلوم جميعاً.
ويشير د. موسى الى أن هناك سبباً آخر وراء تأخر انبثاق فلسفة العلم بنحو نصف قرن بعد استقلاله عن الفلسفة تماماً، وهو الازدهار والنجاح المتزايدان اللذان نعم بهما العلم في هذه المرحلة، ورسوخ وثبات حالة التفوق التي حالت من دون حاجة العلم إلى أي نوع من المراجعة والتقويم من أي نشاط فكري كان، حتى لوكان هذا النشاط متمثلاً بالفلسفة، وعلى هذا الأساس نرى العاصفة التي حلّت بالعلم على مستوى الأسس الفكرية التي يستند إليها في مطلع القرن العشرين، والتي أفضت إلى الرسوخ المطلق للمبادئ العلمية لا يصمد إِلى الأبد، وأن العلم في نهاية الأمر نشاط معرفي عملي تبقى عائديته إنسانية الملمح، وقابل للمراجعة والتقويم بشكل شامل، الأمر الذي فتح الباب ومهد الطريق لولوج فلسفة تقوم بهذه المهمة التخصصية للعلم.
أما في ما يتعلق بتفاصيل المهمة الملقاة على عاتق فلسفة العلم، وإن كانت تعبّر بشكل عام عن حديث فلسفي شامل عن العلم لكنها في الوقت نفسه غير معنية باكتشاف منجزات علمية لأن هذا الأمر من شأن العلماء وليس من شأن الفلاسفة، وتبقى مهمة فلسفة العلم مقررة بأن فلسفة العلم حديث عن العلم، وليست حديث في العلم، إذ تتحدد الصلة بين فلسفة العلم والعلم بأن لا تنصبّ الفلسفة نفسها وصية على العلم، وفي الوقت نفسه لا تتحول إلى وصيفة له. واذا كانت فلسفة العلم تهدف إلى بناء حديث فلسفي شامل عن العلم، فيبدو أنها عازمة على جعل العلم موضوعاً تضيفه جميع مباحثها الأساسية بل تتجاوز ذلك إلى مجالات أخرى مثل سوسيولوجية العلم فضلاً عن تاريخ العلم، كما وتسعى فلسفة العلم إلى الحصول على نظرية فلسفية في الوجود معتمدة بالأساس على الأنتولوجية التي يفرضها العلم عبر التصورات والمفاهيم الوجودية العلمية، مثل المادة والطاقة، والموجة والمجالات الكهربائية والمغناطيسية والذرة ومكوناتها... ومن ثم تقويم ونقد هذه الأنتولوجية الشاملة.
تناول المؤلف في كتابه هذا أهم المهمات الملقاة على عاتق مبحث العقلانية في فلسفة العلم، مع وجهات نظر مختلفة لشأن هذا المبحث العقلاني وتطورات صور العقلانية في فلسفة العلم من حال إلى حال، وخاصة أهم ركنين تستند إليهما: الأول موضوعية وجود الحقائق العلمية وثبوتيتها أما تغيّر الظروف الاجتماعية والحضارية التي تخص العوامل الإنسانية وجميع العوامل الإنسانية وجميع العوامل التي تجعل الحقائق العلمية تبدو نسبية الطابع، والركن الثاني المنهج الصحيح للوصول إلى هذه الحقائق والنزعة إلى وحدانية هذا المنهج وتقرير ملامح العقلانية فيه، لذا نرى بعد أن هدم هذين الركنين في بعض اتجاهات فلسفة العلم صنفت هذه الاتجاهات بصنف اللاعقلانية في فلسفة العلم. كما تناول المؤلف العقلانية العلمية في شكلها العقلاني الخالص متمثلاً بالعقلانية التجريبية التي تبنتها الوضعية المنطقية، إذ بدت هذه العقلانية عبارة عن عقلانية تحصيل الحاصل، تتماهى مع عقلانية وصورية المنطق الذي تستند إليه، وتظهر فيه أن المدعي بامتلاكه الحقيقة العلمية متمثلاً بالعالم التجريبي هو ذاته من يصدر الحكم على صدق الشكل التجريدي لهذه الحقيقة العلمية، بعد أن المدعي بامتلاكه الحقيقة العلمية في العودة إلى التجربة لتصدر حكمها على هذا التجريد العقلي. الواقع التجريبي، وتستخلص هذه المادة الخام عن طريق منهج الاستقراء الذي عدّته المنهج الصائب الوحيد المناسب للعلم، يأتي بعد ذلك دور تشكيل الحقيقة العلمية على شكل تجريد رياضي ومنطقي على شكل قانون ونظرية عن طريق العقل، ثم العودة إلى التجربة لتصدر حكمها على هذا التجريد العقلي.
ويرصد المؤلف أول محاولة لفهم عقلانية المعرفة العلمية، وقام بها الفيلسوفان جاستون باشلار وكارل بوبر، إذ رأى كلاهما أن ليس هناك حقيقة علمية ومبادئ أساسية قارة وراسخة في التجربة يستطيع العقل اكتشافها، وإنما المشروع المعرفي العلمي مؤسس على أن الحقائق العلمية تأتي من عملية تساهمية يساهم فيها العقل والتجربة، فالعقل يشّرع الفرضيات والنظريات، أما التجربة فعليها أن تحكم، ولكن الحكم ليس بصدق هذه النظريات والفرضيات لأن التجربة لا تنتمي ولا تعرف عالم النظريات والفرضيات، بل تنتمي إلى عالم الوقائع والأحداث، وبهذه الوقائع أو الأحداث تستطيع أن تكذب النظريات والفرضيات، لذا فإن العلم يسير وفق عقلانية أسماها باشلار العقلانية التطبيقية وأسماها بوبر العقلانية النقدية.
وتناول المؤلف الانعطاف الكبير الذي حصل في رؤية فلسفة العلم تجاه عقلانية العلم على يد فيلسوف العلم توماس كون، حينما اعتبر تاريخ العلم هو المرجعية الأولى في تأسيس فلسفة العلم، وبعد أن طرح مفهوم اللامقايسة الذي من خلاله كشف توماس كون، بأنه عند حصول الثورات العلمية على مدى تاريخ العلم لا تتغير فيه الحقيقة العلمية الجديدة لا يمكن مقايستها مع الحقيقة العلمية القديمة، أي لا يمكن تعيين من منهما أفضل من الأخرى لاختلاف مرجعية العقلانية في كليهما بعد أن تبدلت أسس العقلانية العلمية، إذ تبدلت التجربة والنظرة إلى العالم، وتبدل كذلك العقل الباحث في هذا العالم، وتبدلت المعايير والمناهج، ولكن في خضم هذا التبدل الكبير يزرع توماس كون نوعاً من العقلانية الثابتة ثبوتاً متعلقاً بسيادة النموذج الإرشادي الذي يسود مرحلة ما من مراحل العلم أطلق عليها العقلانية المؤسساتية التي تأخذ كل مستلزماتها من مؤسسة المجتمع العلمي الذي يقود البحث العلمي. كما وتناول ما جاء به فيبراند، فيلسوف العلم الأميركي النمساوي الأصل الذي نادى صراحة أن المحرك الفعلي للبحث العلمي هو اللاعقلانية، والعلم مشروع قائم ويتطور على أساس انتهاك مبادئ العقلانية السائدة، ورأى في مؤلفه “ضد المنهج” أن المناهج العلمية هي مناهج نسبية ومتعددة ولا وجود لمنهج واحد للعلم، لذا سيكون المشروع العلمي ذو صبغة فوضوية لا يعترف بوجود سلطة منهج معين أو قواعد معينة تحدد نشاطه، وبهذه الصورة الفوضوية للعلم يفقد الأخير بنظر فيبراند كل مميزاته عن باقي النشاطات المعرفية الأخرى ويضحى تقليداً معرفياً كباقي التقاليد التي تتغلف بجميع المناحي الإنسانية والحضارية والاجتماعية، إذ نحن وصل الحال بنا مع فيبرابند إلى الرؤية اللاعقلانية الخالصة للعلم.
وعلى أية حال، لا بد أخيراً، ان نرى في هذا البحث وبفصوله الأربعة كانت المحطات التي حصلت فيها نقطة انقلاب بمنحى العقلانية في فلسفة العلم.
كما ونصل إلى النتيجة المتوقعة حينما يكتمل مشروع فلسفة العلم، ويصبح نشاطاً فلسفياً مستقلاً عن ضوابط الموضوع الذي يبحث فيه متمثلاً بالعلم، نقول: لا بد أن تجاري فلسفة العلم باقي النشاطات الفلسفية والفكرية الأخرى في النزوع إلى النسبية واللاعقلانية، لأن اتجاه بوصلة عموم الفكر الإنساني المعاصر يشير الى هذا الاتجاه.


المشاركات الشائعة

إجمالي مرات مشاهدة المدونة