صندوق مساعدة دولي: فكرة مبتكرة لدعم إعادة إعمار سوريا رغم العقوبات

 

" في عالم مليء بالتحديات المعقدة، يجب أن نبحث دائمًا عن حلول مبتكرة تتجاوز العقبات وتضع الإنسان أولاً."

 

في ظل الدمار الهائل الذي خلفته سنوات الحرب الطويلة في سوريا، تتطلب عملية إعادة الإعمار حلولًا مبتكرة تتجاوز العقبات السياسية والاقتصادية التي تعيق التقدم. من بين أبرز التحديات التي تواجه هذه العملية هي العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، والتي تشمل قيودًا صارمة على البنك المركزي السوري وخروجه من نظام التحويلات العالمي (SWIFT). هذه العقوبات تجعل من الصعب تأمين التمويل اللازم لإعادة بناء القطاعات الحيوية مثل الكهرباء، الاتصالات، الصحة، والتعليم. وفي مواجهة هذه التحديات، تبرز فكرة إنشاء صندوق مساعدة دولي في دول الجوار كحل عملي وفعّال.

الأزمة السورية: الحاجة إلى حلول عاجلة

 اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، تعرضت البنية التحتية للبلاد لدمار شامل أثر على جميع مناحي الحياة. فقطاع الكهرباء، الذي يُعد شريان الحياة لأي دولة، يعاني من خسائر فادحة تُقدر بنحو 35 مليار دولار (انقرهنا)، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر وشلل تام في الخدمات الأساسية التي تعتمد عليه. أما قطاع الصحة، فالوضع لا يقل كارثية؛ حيث تضررت المستشفيات والمراكز الصحية بشدة، وأصبح 57% فقط من المستشفيات تعمل بكامل طاقتها، و37% فقط من المراكز الصحية الأولية (انقرهنا)، مما جعل الحصول على الرعاية الصحية تحديًا يوميًا يواجهه المواطنون. وفي قطاع التعليم، تتجلى المأساة في حرمان ملايين الأطفال من حقهم الأساسي في التعليم؛ فبسبب تدمير المنشآت التعليمية أو نقص الموارد اللازمة لتشغيلها، يُقدر عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بحوالي 2.45 مليون طفل(انقرهنا) (انقر هنا).



ورغم أن الحاجة إلى إعادة الإعمار واضحة وملحة، إلا أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا تزيد من صعوبة تحقيق هذا الهدف. القيود المفروضة على البنك المركزي السوري تجعل من المستحيل تقريبًا إجراء التحويلات المالية الدولية لتمويل مشاريع إعادة الإعمار، مما يترك البلاد في حلقة مفرغة من التدهور الاقتصادي والاجتماعي وربما الأمني أيضاً.

الفكرة: صندوق مساعدة دولي يتجاوز العقوبات

في مواجهة هذه التحديات المعقدة، تأتي فكرة إنشاء صندوق مساعدة دولي في دول الجوار كوسيلة لتجاوز العقوبات ودعم عملية إعادة الإعمار. يقوم هذا الصندوق بجمع الأموال من جهات مانحة دولية ومحلية، سواء كانت حكومات أو منظمات غير حكومية أو أفراد راغبين في المساهمة. يتم استخدام هذه الأموال لشراء المواد والمعدات اللازمة لإعادة بناء القطاعات الحيوية مثل الكهرباء والاتصالات والصحة والتعليم.



ما يجعل هذه الفكرة مبتكرة هو أنها تعتمد على إدخال المواد والمساعدات عبر المنافذ البرية إلى سوريا بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية. هذا النهج يتيح الالتفاف على القيود المفروضة على التحويلات المالية الدولية ويضمن وصول الدعم مباشرة إلى المناطق التي تحتاجه دون المرور عبر القنوات الرسمية المتأثرة بالعقوبات.

التنفيذ: الشفافية والشراكة

لضمان نجاح هذه الفكرة وتحقيق أهدافها الإنسانية والتنموية، يجب أن يتم تنفيذها وفق معايير صارمة من الشفافية والمساءلة. يمكن تحقيق ذلك من خلال التعاون الوثيق مع منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية التي تتمتع بمصداقية وخبرة في إدارة المشاريع الإنسانية. كما ينبغي إنشاء آليات رقابة لضمان استخدام الأموال بطريقة فعالة وموجهة نحو تحقيق الأهداف المحددة.

علاوة على ذلك، يمكن أن تلعب دول الجوار دورًا رئيسيًا في دعم هذا الصندوق، ليس فقط كمضيفين له ولكن أيضًا كشركاء استراتيجيين يساهمون في تسهيل العمليات اللوجستية وتوفير المواد اللازمة بأسعار تنافسية.

التأثير المتوقع: خطوة نحو التعافي

إذا تم تنفيذ هذه الفكرة بنجاح، فإنها يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في حياة ملايين السوريين الذين يعانون يوميًا بسبب نقص الخدمات الأساسية. تحسين قطاع الكهرباء سيعيد تشغيل المصانع والمستشفيات والمدارس، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويخلق فرص عمل جديدة. دعم القطاع الصحي سيضمن حصول المواطنين على الرعاية الطبية التي يحتاجونها بشدة. أما الاستثمار في التعليم فسيعيد الأمل لجيل كامل من الأطفال الذين حُرموا من حقهم الأساسي في التعلم.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون هذا النموذج مصدر إلهام لحلول أخرى تتجاوز العقوبات وتضع مصالح الشعوب فوق كل الاعتبارات.

 

 

المعابر الحدودية السورية: تحديات وآفاق

 

في أعقاب سقوط نظام الأسد، تقف سوريا على مفترق طرق تاريخي يتيح لها فرصة فريدة لإعادة تشكيل مستقبلها الاقتصادي. وتبرز إعادة تأهيل المعابر الحدودية كأولوية قصوى في هذا المسعى، حيث تمثل هذه البوابات نقطة الانطلاق نحو الاندماج في الاقتصاد الإقليمي والعالمي.

لقد عانت المعابر السورية طويلاً من سوء الاستخدام، حيث كانت تُستغل كقنوات لتهريب المخدرات تحت حكم النظام السابق. اليوم، يتعين على سوريا تحويل هذه المنافذ إلى محركات للتنمية الاقتصادية والتجارة المشروعة. هذا التحول يتطلب نهجاً شاملاً يعالج البنية التحتية والتكنولوجيا والموارد البشرية على حد سواء.

تحتاج المعابر السورية إلى إعادة بناء جذرية لبنيتها التحتية، بدءاً من الطرق والجسور وصولاً إلى المرافق اللوجستية. ويجب أن يتماشى هذا التحديث مع المعايير الدولية لضمان انسيابية حركة البضائع والأشخاص. كما أن تطبيق التكنولوجيا الحديثة، مثل أنظمة إدارة الحدود المتكاملة وأنظمة معلومات إدارة الحدود، سيكون حاسماً في تسريع عمليات التفتيش والتخليص الجمركي.


لا يقل أهمية عن ذلك تأهيل الكوادر البشرية العاملة في هذه المعابر. فتدريب الموظفين في مجالات الجمارك والأمن والخدمات اللوجستية، مع التركيز على مكافحة الفساد وتعزيز الكفاءة، سيكون ضرورياً لضمان عمل هذه المنافذ بفعالية. كما يتعين وضع إطار قانوني وتنظيمي جديد يتماشى مع المعايير الدولية لتسهيل التجارة وضمان الأمن.

يمكن لسوريا أن تستلهم من نماذج المعابر الحدودية المتطورة في الدول الرائدة في تجارة الترانزيت. فتطبيق مفاهيم مثل نقاط العبور الحدودية الموحدة وأنظمة النافذة الواحدة وبرامج المشغل الاقتصادي المعتمد من شأنه أن يعزز كفاءة العمليات الحدودية بشكل كبير.

إن نجاح سوريا في تحديث معابرها الحدودية سيكون له آثار إيجابية عميقة على اقتصادها. فمن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في حجم التجارة الخارجية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز مكانة سوريا كمركز إقليمي لتجارة الترانزيت. كما سيساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحسين الإيرادات الحكومية من خلال تحصيل جمركي أكثر كفاءة.

نعيد التأكيد على إن إعادة تأهيل المعابر الحدودية السورية تمثل فرصة حاسمة لإعادة إدماج البلاد في الاقتصاد العالمي وتحفيز النمو الاقتصادي المستدام. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تنطوي عليها هذه العملية، فإن النجاح في هذا المسعى سيكون حجر الزاوية في بناء مستقبل اقتصادي مزدهر لسوريا، محولاً إياها من بلد منهك بالصراعات إلى لاعب إقليمي فاعل في مجال التجارة والترانزيت.

أ.د. عماد الدين المصبح

أكاديمي سوري