في أعقاب سقوط
نظام الأسد، تقف سوريا على مفترق طرق تاريخي يتيح لها فرصة فريدة لإعادة تشكيل
مستقبلها الاقتصادي. وتبرز إعادة تأهيل المعابر الحدودية كأولوية قصوى في هذا
المسعى، حيث تمثل هذه البوابات نقطة الانطلاق نحو الاندماج في الاقتصاد الإقليمي والعالمي.
لقد عانت
المعابر السورية طويلاً من سوء الاستخدام، حيث كانت تُستغل كقنوات لتهريب المخدرات
تحت حكم النظام السابق. اليوم، يتعين على سوريا تحويل هذه المنافذ إلى محركات
للتنمية الاقتصادية والتجارة المشروعة. هذا التحول يتطلب نهجاً شاملاً يعالج
البنية التحتية والتكنولوجيا والموارد البشرية على حد سواء.
تحتاج المعابر
السورية إلى إعادة بناء جذرية لبنيتها التحتية، بدءاً من الطرق والجسور وصولاً إلى
المرافق اللوجستية. ويجب أن يتماشى هذا التحديث مع المعايير الدولية لضمان
انسيابية حركة البضائع والأشخاص. كما أن تطبيق التكنولوجيا الحديثة، مثل أنظمة
إدارة الحدود المتكاملة وأنظمة معلومات إدارة الحدود، سيكون حاسماً في تسريع
عمليات التفتيش والتخليص الجمركي.
لا يقل أهمية عن ذلك تأهيل الكوادر البشرية العاملة في هذه المعابر. فتدريب الموظفين في مجالات الجمارك والأمن والخدمات اللوجستية، مع التركيز على مكافحة الفساد وتعزيز الكفاءة، سيكون ضرورياً لضمان عمل هذه المنافذ بفعالية. كما يتعين وضع إطار قانوني وتنظيمي جديد يتماشى مع المعايير الدولية لتسهيل التجارة وضمان الأمن.
يمكن لسوريا
أن تستلهم من نماذج المعابر الحدودية المتطورة في الدول الرائدة في تجارة
الترانزيت. فتطبيق مفاهيم مثل نقاط العبور الحدودية الموحدة وأنظمة النافذة
الواحدة وبرامج المشغل الاقتصادي المعتمد من شأنه أن يعزز كفاءة العمليات الحدودية
بشكل كبير.
إن نجاح سوريا
في تحديث معابرها الحدودية سيكون له آثار إيجابية عميقة على اقتصادها. فمن المتوقع
أن يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في حجم التجارة الخارجية، وجذب الاستثمارات الأجنبية،
وتعزيز مكانة سوريا كمركز إقليمي لتجارة الترانزيت. كما سيساهم في خلق فرص عمل
جديدة وتحسين الإيرادات الحكومية من خلال تحصيل جمركي أكثر كفاءة.
نعيد التأكيد
على إن إعادة تأهيل المعابر الحدودية السورية تمثل فرصة حاسمة لإعادة إدماج البلاد
في الاقتصاد العالمي وتحفيز النمو الاقتصادي المستدام. وعلى الرغم من التحديات
الكبيرة التي تنطوي عليها هذه العملية، فإن النجاح في هذا المسعى سيكون حجر
الزاوية في بناء مستقبل اقتصادي مزدهر لسوريا، محولاً إياها من بلد منهك بالصراعات
إلى لاعب إقليمي فاعل في مجال التجارة والترانزيت.
أ.د. عماد
الدين المصبح
أكاديمي سوري
0 comments:
إرسال تعليق